الثورات العربية وسيناريوهات أسعار النفط

 

تنتج ليبيا، التي تقع في شمال أفريقيا وتجاور دولة تونس الثورية، حوالي 1.6 مليون برميل يومياً تشكل ما نسبته 2 ٪ من إنتاج النفط العالمي. وتنتج الجزائر، والتي تقع أيضا في شمال أفريقيا وتعتبر جغرافيا شديدة القرب من ليبيا، حوالي 1.4 مليون برميل يوميا.ً وينتج كلا البلدين نفطا عالي الجودة (من النوع الخفيف المحتوي علي نسب منخفضة من الكبريت) والذي ينتج بدوره نسبة عالية نسبيا من الجازولين.
أما المملكة العربية السعودية، والتي لديها أعلى إحتياطيات نفطية في العالم، فهي تنتج حوالي 10٪ من الإنتاج العالمي للنفط، وهي تمتلك أربعة ملايين برميل يومياً من الطاقة الفائضة وهو رقم يفوق مجموع الإنتاج المشترك لكل من ليبيا والجزائر. وتكاد تتراوح أنواع النفوط السعودية ما بين كونها متوسطة وخفيفة وثقيلة، وتحتاج إلى مصافي ذات مواصفات معينة لتكريرها، ولذلك فإن النفط السعودي لا يعتبر بديلا مثالياً عن النفط الليبي.
لقد إجتاحت ليبيا تيارات ثورة قادمة من تونس من الغرب وأخرى مصرية من الشرق. وأدت الثورة الليبية إلى رفع أسعار خام غربي تكساس لأكثر من 100 دولار للبرميل وخام برنت بحر الشمال إلى ما يزيد على 115 دولارا للبرميل في أيام معدودة. إن خام برنت هو معيار النفط في أوروبا والشرق الأوسط والدول الآسيوية غير التابعة للشرق الأوسط وأفريقيا. وقد تأثر سعر خام برنت بالثورات العربية بقوة أكثر من تأثر أسعار خام غربي تكساس من خلال الخوف أو بسبب علاوة المخاطر والتي تشكل واحداً من أربعة عناصر الرئيسية يتكون منها سعر النفط.
وبعد كل ما سبق، لا أحد يعرف على وجه اليقين المدى الذي سترتفع إليه أسعار النفط قبل أن تتوقف عن الصعود. ولا أحد يستطيع أن يحدد رقم أو جملة واحدة يمكنها أن تبرز بدقة المستوى الذي سيصل إليه سعر النفط قبل أن يبدأ رحلة العودة. ولكن يمكنني تصور ثلاثة سيناريوهات وأرجح حدوث أحدهم.
السيناريو الأول:
سوف تمتد الثورة الليبية إلى الجزائر وسيشهد سوق النفط العالمي تعطل في الإمدادات تصل نسبته إلى 3.5 مليون برميل يومياً والذي في حالة حدوثه ستستخدم الطاقة السعودية الفائضة بما يعرض سوق النفط العالمي إلى أحداث هامشية مؤثرة. ولو تحقق هذا السيناريو، فسيقفز سعر النفط إلى 150 دولارا للبرميل أو أكثر خلال زمن قصير. ويمكن أن يحل النفط السعودي محل النفط الليبي والجزائري حال تعطلهما. ولكن كيف يمكن حدوث هذا السيناريو المحتمل؟ لو سألت الجزائريين عن انتشار عدوى الثورة من ليبيا إلى الجزائر، سوف يقولون أنهم قاموا بثورتهم منذ عشر سنوات مضت ودفعوا ثمنا باهظا لها ولم يكترث العالم لذلك. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة الجزائرية كانت تراقب ذلك واستفادت من الثورات التونسية والمصرية، وأدخلت إصلاحات كافية ربما تكون قد قللت من عدوى الثورة. وفي رأيي، فإن احتمالية حدوث هذا السيناريو منخفضة للغاية ولذلك يمكنني صرف النظر عنها.
السيناريو الثاني:
أن الثورة البحرينية ستنتشر إلى المملكة العربية السعودية وستعطل 10 ٪ من الإنتاج العالمي. ولو تحقق هذا السيناريو، فستقفز أسعار النفط إلى أكثر من 200 دولار للبرميل، ومن يدري. وبقدر ما أتذكر كان بالبحرين صراع طائفي بين الشيعة والسنة. أوافق على أن إحتجاجات الشيعة قد إرتفع صوتها وزادت حدتها في الآونة الأخيرة. ولكن من الصعب جداً الإطاحة بنظام في الشرق الأوسط عندما ينقسم شعب البلاد إلى مجموعتين رئيسيتين، وتستفيد وتساند إحداهما النظام الحاكم. وينطبق هذا الوضع أيضا على الأردن واليمن. وعلاوة على ذلك، فإن العائلة المالكة البحرينية الآن أكثر مرونة في التعامل مع المجموعة المعارضة، كما تساندها أيضا جميع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي هي على إستعداد للدفع بسخاء لمعظم الأصوات المعارضة. وفي رأيي، سيستمر الصراع في البحرين وسيكون هناك المزيد من الإصلاحات، ولكنها لن تصل إلى مستوى ثوري يطيح بالنظام الملكي وينتشر بعد ذلك. فالمملكة العربية السعودية، التي بها 6000 أمير، لديها مشاكلها الخاصة ولكنها ليست ذات صلة بأسعار المواد الغذائية والوقود بل إنها تتعلق بإصلاحات إجتماعية وسياسية.
والناس في المملكة العربية السعودية لا يتضورون جوعاً، ويمكنهم الحصول على تعويضات من الحكومة حتى عندما يكونون عاطلين عن العمل. وعلاوة على ذلك ، يتم تنشئة الشباب السعودي بطريقة مختلفة عن الشباب في مصر وتونس: فيتم تعليمهم منذ الطفولة إحترام السلطة وفقا “لتعاليم الإسلام”.ولذلك فإن إحتمالية حدوث هذا السيناريو هي الأعلى مقارنة بالسيناريو الأول, ولكن لا يزال هذا الاحتمال ضعيفا، وأرى أنه محتمل ولكن غير قابل للتطبيق.
السيناريو الثالث:
الثورة الليبية لن تمتد إلى الجزائر، والصراعات الطائفية البحرينية ستبقى بحرينية، ولن يكون هناك ثورة بحرينية وإنتشار”عدوى الثورة” سيكون شيئا غير ذي صلة. أتفق مع هذا السيناريو بشدة. وأرى الثورة الليبية آخر الثورات العربية في هذا الوقت. فلقد أدرك الشباب العربي كيف قلصت القوات العسكرية في تونس ومصر دور الثورات إلى النصف. وقد تحرروا الآن من الوهم وخيبة الأمل. وفي هذا السيناريو، ينبغي أن يتراوح سعر خام غربي تكساس ما بين 110 و 120.دولاراً للبرميل، وهذا هو السعر المرجح لبعض الوقت.
ولكن في نهاية المطاف، سيبدأ سعر برميل النفط بالاتجاه لأسفل إلى ما بين 80 و 90 دولاراً للبرميل. بالإضافة إلى ذلك, ستساعد أساسيات النفط الذي يدفعها الاقتصاد المنتعش على إنخفاض السعر تدريجياً. ولكن ينبغي ألا ينتهي هذا السيناريو قبل رؤية المزيد من الحرية وإنخفاض القمع في الشرق الأوسط. يجب على الولايات المتحدة البدء في التفكير بجدية في كيفية التعامل مع الديمقراطيات العربية في المستقبل والأنظمة التي تم إصلاحها .فهذا المستقبل يجلب تفكيراً جغرافيا – سياسيا جديداً ومختلفا ويتطلب تحليلا من تلقاء نفسه.، وإنني آمل أن أؤدي هذه المهمة.