إنفجار منصة هوريزون للمياه العميقة وتسرب نفط بئر ماكوندو بخليج المكسيك

1 - 03_DEEPWATER

إنفجار منصة هوريزون للمياه العميقة

وتسرب نفط بئر ماكوندو بخليج المكسيك

الحادثة تعطي إشارة لأمريكا وللعالم بزيادة مخاطر عمليات الإستكشاف والإنتاج

 

قبل أيام .. وفى المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإعادة النظر في سياسة الطاقة، ودعا الشعب الأمريكي إلى “مهمة قومية” لتنمية مصادر بديلة للطاقة بدلاً من الإعتماد المفرط على النفط. وقال الرئيس أوباما: ” لا يمكننا أن ندفع بأبنائنا إلى ذلك المستقبل. وستبقى المأساة الواقعة على ساحلنا تذكرة مؤلمة وقوية بأنه حان الوقت الآن لتبنى مستقبل للطاقة النظيفة بعيداً عن النفط”.

Barack Obama said The millions of gallons of oil that have spilled into the Gulf of Mexico are more like an epidemic

 

إنفجار منصة هوريزون للمياه العميقة

علي مسافة 48 ميلاً جنوبي لويزيانا ولأسباب غير معروفة، وقعت واحدة من أسوأ كوارث حقول النفط البحرية في تاريخنا المعاصر، لقد إنفجرت المنصة الغاطسة في المياه العميقة وإحترقت وإنقلبت ثم غرقت في قاع البحر. وأودت الكارثة بحياة أحد عشر شخصاً بالإضافة إلي سبعة عشر جريحاً من بينهم أربعة فى حالة حرجة. وتريد السلطات الأمريكية أن تحمل شركة بريتش بتروليم المسئولية كاملة، وتريد منها أن تجمع كل جزىء نفط نتج عن إنفجار بئر ماكوندو، هذا فضلاً عن تحميلها بكل الخسائر الناجمة عن موت الطيور البحرية والأسماك في منطقة الحدث.

وتعتبر منصة التنقيب عن النفط في المياه العميقة والمعروفة بإسم هوريزون للمياه العميقة تابعة في ملكيتها وتشغيلها لشركة ترانس أوشن، وهى مقاول لأعمال الحفر يمتلك 140 جهاز حفر مشابه. وقامت بريتش بتروليم للإستكشاف والإنتاج التي تملك حقوق تشغيل بئر ماكوندو بخليج المكسيك بالتعاقد مع شركة ترانس أونش التي تملك الحفار لتشغيله علي بئر ماكوندو. وكانت شركة البترول البريطانية قد دفعت عام 2008 حوالي 44 مليون دولار لكى تحصل من الولايات المتحدة علي قطاع تبلغ مساحته نحو 6000 فدان قبالة سواحل لويزيانا، لتفوز بهذا القطاع الهام، ثم أنفقت علي بناء البئر الإستكشافي (ماكوندو) مائة مليون دولار. وقد تسرّب النفط إلى مياه خليج المكسيك من البئر الذي يقع على عمق ثمانية عشر ألف قدم تحت قاع البحر في منطقة يبلغ عمق المياه فيها خمسة آلاف قدم.

لقد إتُهمت شركة بريتيش بتروليوم بفشلها في إتباع الإجراءات السليمة في الفترة التي سبقت وقوع الإنفجار في أجهزة المياه العميقة في 20 أبريل الماضي. وتعتقد لجنة من العلماء تابعة للحكومة الآن أن ما يتراوح من 35 إلى 60 ألف برميل كان يتسرب كل يوم. وتقول بريتش بتروليوم أن تكاليف العملية قد إرتفعت إلى 3.5 مليار دولار بالإضافة إلى 300 مليون دولار مخصصة لبناء جزر رملية قبالة ساحل ولاية لويزيانا لحماية الحياة البرية. وتأمل الشركة أن تتمكن من إحتواء كل النفط المتسرب من البئر الى أن يتم الانتهاء من حفر بئرين آخرين قرب البئر الحالية، بحيث تتمكن من تحويل النفط المتدفق إلى إحدى الآبار الجديدة وإغلاق البئر الحالية بعد ذلك بشكل نهائي.

لماذا البحث عن النفط في المناطق النائية والأعماق المائية السحيقة؟

والإجابة كما أوردها العديد من الخبراء والمراقبون أن العالم يستهلك كميات ضخمة من النفط تعجز عن توفيرها الحقول البرية والبحرية في المناطق السهلة والقريبة. ولتلبية إحتياجات النفط غير المحدودة في العالم، تبحث شركات الحفر تحت الرمال والطفلة في المناطق النائية غربي كندا، وفى صخر الشيل الصلب شمالي داكوتا، وعلى عمق أكثر من ميل تحت سطح البحر قبالة الساحل الأمريكي الجنوبي حيث وقعت حادثة الحفر المأساوية لبئر ماكوندو، والتي قذفت بالملايين من جالونات النفط الخام إلي مياه خليج المكسيك.  وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد تراجع إنتاجها من الحقول البرية منذ السبعينيات، كما بلغ إنتاج الحقول البحرية القريبة من شواطيء خليج المكسيك قمته منذ أكثر من عقد مضى. من ناحية أخري فإن معظم إحتياطيات النفط التقليدية خارج الولايات المتحدة تقع في مناطق غير مستقرة سياسيا كالعراق ونيجيريا، أو في مناطق لا ترحب بالتعاون مع شركات النفط الغربية كما في السودان، وفنزويلا وبعض دول الشرق الأوسط.

ومع أن المضي قدماً في عمليات الحفر بالمناطق الصعبة غير التقليدية في ظل إحتمالات حدوث التسرب النفطي يبدوا أمراً خطيراً، لكنه بالمقابل فإن كبح زمام عمليات الإستكشاف سيكون له عواقب وخيمة حذر منها المحللون لأن أسعار النفط سترتفع بشدة بسبب تباطؤ إنتاج النفط مع تسارع الطلب عليه. وتعتبر المياه العميقة من خليج المكسيك آخر أفضل أمل لإمداد الولايات المتحدة بحصة ملموسة من الطاقة لأغراض النقل التي بدونها لا يمكن لأمريكا الإستمرار كمجتمع صناعي.

“لن يخاطر أحد بالحفر في المياه العميقة لو كانت هناك أمامه فرصة للحفر في المناطق الأسهل. وما تبقي من نفط في العالم يقع في المناطق الحدودية والصعبة التي تتطلب تحديات تقنية عالية. (كريس سكريبوسكي الخبير الاستراتيجي السابق في شركة بريتش بتروليم والذي يدير الآن شركة للإستشارات النفطية ودراسات نضوب النفط في لندن).

” أي تسرب نفطى هنا أو هناك لن يكون عقبة أمام إستخراج النفط من أي مكان.. إننا نريد نفطنا .. ونحن على إستعداد أن نشتريه بأي ثمن. وإذا أردت تقليل عمليات الحفر، فعليك بتقليل كمية ما تطلبه من النفط. وإن توقيع الغرامات علي شركة بريتش بتروليم، وزيادة ضوابط الأمان في عمليات الإستكشاف، ووضع القيود الشديدة علي الحفر في بعض المناطق … كل هذا لن يعالج المشكلة الأساسية وهى: استهلاكنا الزائد من النفط.” هكذا قال بيتر ماس، مؤلف كتاب ” Crude World: The Violent Twilight of Oil “

يقول جراى تايلور من صحيفة بلاتس أويل جرام نيوز التي تعالج أمور صناعة النفط أنه فى مثل هذا المناخ ذو التقنية العالية، هناك الكثير من الأمور التى يجب أن تعمل بشكل صحيح ومثالى، ويعتبر هذا أحد أنواع المخاطرة المحتملة في عمليات الإستكشاف في المياه العميقة، ولكن يبرره أن المكامن النفطية هناك كبيرة وسوف تدر علي الشركات العاملة هناك أرباحاً وفيرة.

توني هيوارد يواجه موقفاً صعباً في الكونجرس الأمريكي

واجه تونى هيوارد، الرئيس التنفيذى لشركة بريتش بتروليم، أسئلة كثيرة في الكونجرس الأمريكي. وقد صرح هيوارد للكونجرس بأنه ليس لديه دور فى حفر البئر، كما نفي عن نفسه المسئولية الشخصية تجاه القرارات التى أدت إلى حادثة تسرب الغاز المفجعة فى خليج المكسيك. ومن ناحيته قال هيوارد للجنة نواب الطاقة والتجارة: ” إن الإنفجار والحريق في منصة هواريزون بالمياه العميقة، وما نتج عنه من تسرب للنفط في مياه خليج المكسيك، ما كان يجب أن يحدث وأنا أشعر بأسف عميق لما حدث. وعندما علمت بأن 11 شخصاً فقدوا حياتهم تأثرت بشكل شخصي. وأنا أعي جيداً كم هي خطورة الموقف، إنها مأساة. لقد تضررت المجتمعات والبيئة الساحلية لخليج المكسيك، وهذا غير مقبول، وأنا أفهم ذلك، ولن نسترح حتى يصبح البئر تحت السيطرة، وسوف نفى بإلتزاماتنا لتنظيف التسرب وما نتج عنه من آثار بيئية وإقتصادية”.

لكن هاري واكسمان، رئيس لجنة نواب الطاقة والتجارة، إنتقد أداء توني هيوارد حيال الأزمة قائلاً: “لم نعثر علي إيميل واحد أو وثيقة واحدة تظهر أدنى إهتمام منك تجاه مخاطر هذا البئر”.

التعويضات مسئولية بريتش بتروليم

صرحت حكومة أوباما بأن شركة بريتش بتروليم هى المسؤولة عن التسريب وهي المسؤولة عن تكاليف وأعباء تطهير مكان التسرب. وسوف يتبع ذلك تطبيق مقاييس وضوابط محكمة للأمان علي عمليات الحفر البحرى. ويبدو أن الشركة البريطانية للبترول ستتحمل مسؤولية قانونية غير محدودة وذلك لتحمل نفقات إزالة آثار النفط المسكوب من بئر ماكاندو فى خليج المكسيك.

ففي إجتماع مطول بالبيت الأبيض، حصل باراك أوباما علي إعتذار مقدم من شركة بريتش بتروليم، كما تم الإتفاق علي أن تدفع شركة النفط البريطانية كبداية مبلغ 20 مليار دولار إلي صندوق للتعويضات خاص بتمويل ضحايا تسرب النفط في مياه خليج المكسيك. وبرغم معارضة شركة بريتش بتروليم، أخد أوباما أيضاً تعهداً من الشركة بدفع 100 مليون دولار للعمال المتضررين من تعطل أعمالهم بعد إنفجار وغرق منصة الحفر هواريزون.

قال أوباما للصحفيين، ” إن العشرون مليار دولار تعويضات ليست نهاية المطاف. لقد تعهدت للمتضررين في الخليج بأن شركة بريتش بتروليم ستفي بالتزاماتها تجاههم. وإن التعويضات المساوية لأرباح بريتش بتروليم في سنتين ما هي إلا بداية لما ستواجهه هذه الشركة من متاعب لأنه من الممكن ألا تكفى تلك التعويضات لتغطية جميع المطالبات المالية المفروضة علي الشركة. سنجعل بريتش بتروليم تدفع ثمن تهورها فى كارثة منصة هوريزون بالمياه العميقة، والتي نجم عنها أضرار تشبه تلك الناتجة عن هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة. ولابد أن تدفع الشركة تدفع تكلفة الدمار الذى سببته، ولن نتوانى عن فعل أي شيء ضروري لمساعدة ساحل الخليج وسكانه لعبور هذه المأساة”.

وعقب الإجتماع مع رئيس الولايات المتحدة، أعلن مجلس إدارة شركة بريتيش بتروليوم عن التوصل إلى إتفاق لإنشاء صندوق للتعويضات بقيمة 20 مليار دولار على مدى الثلاث سنوات ونصف المقبلة على أساس أن تخصص شركة بريتيش بتروليوم في البداية مدفوعات بقيمة 3 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2010، و2 مليار دولار في الربع الرابع. يعقبه دفع 1.25 مليار دولار في كل ربع سنة حتى يصل مجموع المدفوعات 20 مليار دولار. وسيكون الصندوق متاحا لتلبية المطالب المشروعة بما في ذلك أضرار الموارد الطبيعية وتكاليف المطالبات الحكومية والمحلية. وسيتم استبعاد الغرامات والعقوبات من الصندوق لتسدد بشكل منفصل. وإن أي أموال ستتبقي في الصندوق بمجرد الإنتهاء من دفع جميع المطالب المشروعة ستعود إلى بريتش بتروليم.

ونتيجة لهذا الإتفاق، قرر مجلس إدارة بريتش بتروليم إلغاء أرباح الربع الأول 2010 والتي سبق إعلانها، ولن يتم الإعلان عن أي أرباح مؤقتة فيما يتعلق بالربعين الثاني والثالث من هذا العام، وسوف ينظر في أمر استئناف مدفوعات الأرباح في عام 2011 بعد إتضاح الآثار طويلة المدى للحادث. ويرى المجلس أنه من الصواب والحكمة اتخاذ موقف متحفظ ماليا نظرا لعدم اليقين بشأن مدى وتوقيت النفقات المتعلقة بالتسرب. ومن أجل زيادة موارد الشركة النقدية المتاحة، فإن المجلس يعتزم  إجراء تخفض ملحوظ في الإنفاق الرأسمالي الأساسي بمقدار 10 مليار دولار تقريبا على مدى الإثني عشر شهرا المقبلين.

وقال رئيس مجلس إدارة شركة بريتيش بتروليوم أنه لا يزال هناك بعض الإلتباس حول المدى الذي ينبغي أن يمتد إليه تعريف “المسئوليات المشروعة”. فعلى الرغم من أن شركة بريتيش بتروليوم قد وافقت على تمويل صندوق بقيمة 20 مليار دولار وهو ما يعادل تقريبا الأرباح السنوية لشركة بريتيش بتروليوم لمدة سنة، قال الرئيس أوباما إنه لن يكون هناك سقف للمبلغ الذي قد يتم طلبه من شركة بريتيش بتروليوم للمساهمة في الصندوق.

الإعتذار للشعب الأمريكي عن الكارثة:

إنتهز كارل هنريك سفانبيرج، رئيس مجلس إدارة شركة بريتش بتروليم، الفرصة لتحسين صورة الشركة التي إهتزت في أمريكا بعد الحادث من خلال تقديمه اعتذاراً عن ما حدث، حيث قال عقب خروجه من البيت الأبيض: ” إن بريتش بتروليوم شعرت بالحزن والأسى للحادث المأساوي الذي ما كان له أن يحدث. الكلمات وحدها لا تكفي، ونحن نفهم ويجب وينبغي أن نحاكم بأفعالنا، وسوف نلتزم بجميع مسؤولياتنا القانونية، وستقوم الشركة بتحقيقاتها الخاصة في حادثة التسرب. لقد كان واضحاً اليوم أن الإدارة الأمريكية وشركتنا متفقين على الإهتمام بغلق آبار التسرب، وتنظيف الشواطئ، والإهتمام بالمتضررين من الحادث. وفيما يتعلق بالتعويضات، فنحن على ثقة بأن الاتفاق المعلن اليوم سيوفّر قدر أكبر من الراحة لمواطني ساحل الخليج وقدر أكبر من الوضوح لشركة بريتش بتروليوم ومساهميها. ونحن نرحب بتصريحات الإدارة الأمريكية لأنها ليس لها مصلحة في تقويض الاستقرار المالي لشركة بريتيش بتروليوم. وهذا الإتفاق هو خطوة هامة للغاية تجاه توضيح وتأكيد وفاءنا بالتزاماتنا. نحن نريد إستعادة الثقة العامة، لذلك فإنني أريد أن أنتهز الفرصة لأعتذر للشعب الأمريكي عن الحادث بالنيابة عن جميع العاملين ببريتش بتروليم”.